إغلاق الحكومة الأمريكية أسبابه و آثاره

 

إغلاق الحكومة الأمريكية أسبابه و آثاره

تدخل الحكومة الامريكية اليوم 1 أكتوبر 2025 مجددا في حالة الإغلاق الحكومي الخامس عشر منذ عام 1981 و لأول مرة منذ 6 سنوات مما قد يدخل البلاد في ازمة حادة،  هذا الإغلاق لم يأت من فراغ بل هو نتيجة مباشرة لخلافات سياسية حادة بين الحزبين الرئيسيين حول أولويات الإنفاق و التمويل الفيدرالي، و مع استمرار الأزمة يتأثر الاقتصاد الأمريكي و المجتمع بشكل واسع.

أولا: تعريف الإغلاق الحكومي:

بشكل عام الإغلاق الحكومي(Government Shutdown)  هو حالة شلل مؤقت تصيب المؤسسات الفيدرالية في الولايات المتحدة الامريكية بسبب توقف التمويل، يحدث هذا الوضع عندما يفشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق حول الموازنة أو قوانين الإنفاق الجديدة قبل انتهاء صلاحية القوانين السابقة.

 خلال فترة الإغلاق، تتوقف الخدمات غير الأساسية بينما يستمر الموظفون الأساسيون في العمل غالبا دون رواتب حتى انتهاء الأزمة، يعد الإغلاق أداة ضغط سياسية أكثر من كونه إجراء اقتصاديا، إذ يعكس الخلافات الحادة بين الأحزاب حول أولويات الإنفاق العام و السياسات الداخلية و الخارجية.

ثانيا: أسباب الإغلاق الحكومي الحالي:

الإغلاق الحالي بدأ بسبب عجز الكونغرس عن تمرير مشروع قانون التمويل الجديد قبل الموعد النهائي، و مع توقف التمويل تتوقف العديد من الوكالات الفيدرالية عن العمل، بينما يعمل الموظفون الأساسيون دون رواتب، الأزمة الحالية تكشف عن هشاشة النظام السياسي الأمريكي عندما تغيب التوافقات.

يدور الخلاف حول تمويل الحكومة الأمريكية بشأن حزمة تبلغ قيمتها 1.7 تريليون دولار مخصصة لتسيير أعمال الهيئات الفيدرالية و هو ما يمثل تقريبا ربع الميزانية العامة المقدرة بنحو 7 تريليونات دولار، أما الحصة الأكبر من الميزانية المتبقية فتتجه إلى برامج الرعاية الصحية و التقاعد، إضافة إلى سداد فوائد الدين العام الذي وصل إلى نحو 37.5 تريليون دولار (المصدر وكالة رويترز).

هذه المرة، جاء الإغلاق أكثر شمولا لكون الكونغرس لم يقر بأي من قوانين الإنفاق الـ12 التي تمول الوكالات الفيدرالية.

يتعقد الامر أكثر مع توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعادة صياغة خطط الطوارئ التي اعتادت الوكالات الفيدرالية اتباعها في مثل هذه الحالات.

إضافة الى ذلك، تصاعدت التوترات مع تهديد الرئيس ترامب بتسريح المزيد من الموظفين الفيدراليين غير الأساسيين بدلا من الاكتفاء بإجازة مؤقتة كما جرت العادة في مثل هذه الحالات.

ثالثا: الآثار المباشرة لازمة الاغلاق الحكومي:

في فترة الإغلاق الحكومي بالولايات المتحدة الامريكية، لا تتوقف كل مؤسسات الدولة عن العمل بل يتم التفريق بين الخدمات الأساسية و الخدمات غير الأساسية:

 -1الهيئات و الإدارات التي تستمر في العمل (الخدمات الأساسية):

الجيش و القوات المسلحة: تستمر في أداء مهامها لحماية الأمن القومي لكن أفراده لن يتقاضوا رواتبهم إلا بعد انتهاء الإغلاق.

الشرطة الفيدرالية FBI : تواصل أنشطتها الأمنية

هيئات الأمن القومي: مثل (Homeland Security)  و وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)   تبقى في عملها و تتابع أنشطتها.

المطارات و إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) : تبقى في عملها لضمان سلامة حركة الطيران لكن عدم دفع الرواتب قد يؤدي إلى غياب الموظفين ما يسبب تأخيرات في المطارات.

المستشفيات الفيدرالية و خدمات الطوارئ: مثل الإسعاف و الرعاية الطبية العاجلة تستمر في عملها.

مدفوعات الضمان الاجتماعي و مزايا الرعاية الصحية: تستمر لكن يتم تأجيل بعض المساعدات الاجتماعية و البرامج الصحية و الغذائية، كذلك بعض الخدمات الإدارية مثل تصحيح السجلات أو إصدار بطاقات جديدة قد تتأخر.

خدمات البريد الأساسية: تبقى عاملة بشكل طبيعي.

مكاتب الجوازات و القنصليات: تستمر في العمل طالما تعتمد على رسوم الخدمات لكن مع ذلك إصدار جوازات السفر و التأشيرات قد يتأثر بشكل كبير و يشهد تأخيرات.

2- الهيئات و الإدارات التي تتوقف أو تتعطل (الخدمات غير الأساسية):

المتاحف الوطنية و المتنزهات العامة: يتم إغلاقها أمام الزوار.

برامج التدريب و المنح التعليمية: تتوقف أو تتأخر في التمويل.

الوكالات التنظيمية: مثل وكالة حماية البيئة (EPA) و هيئات مراقبة الغذاء و الدواء تتوقف في بعض أنشطتها.

مشروعات البحوث الفيدرالية: يتم تعليقها مؤقتا.

لجنة الاستثمار الأجنبي: قد تتوقف ما يؤخر البت في صفقات الاندماج و الاستحواذ.

الموظفون الإداريون في العديد من الوكالات: يوضعون في إجازة إجبارية غير مدفوعة الأجر.

3- الهيئات المكلفة بالسياسات النقدية و المالية:

خلال الإغلاق الحكومي، وضع الهيئات المكلفة بالسياسات النقدية و المالية يختلف عن باقي الإدارات لأن بعضها لا يخضع مباشرة لاعتمادات الكونغرس:

الهيئات التي تستمر في العمل:

الاحتياطي الفيدرالي (Federal Reserve) : لا يتأثر بالإغلاق لأنه يمول نفسه من خلال عوائده الخاصة و ليس من الموازنة الفيدرالية، لذلك يواصل إدارة السياسة النقدية مثل تحديد أسعار الفائدة و مراقبة البنوك.

وزارة الخزانة (U.S. Treasury) : تبقى بعض أنشطتها الأساسية قائمة، خصوصا المتعلقة بإدارة الدين العام، سداد الفوائد، و إصدار السندات

هيئة الأوراق المالية و البورصات (SEC) : تستمر في بعض وظائفها الحيوية كحماية الأسواق من التلاعب، لكن جزءا من أنشطتها قد يتعطل مثل مراجعة و اعتماد تسجيلات المستشارين الماليين و شركات الاستثمار.

هيئة تداول السلع الآجلة (CFTC) : تستمر في اشرافها على السوق لأنه ضروري لحماية الأسواق من التلاعب.

هيئة حماية المستهلك CFPB  : تستمر في العمل بتمويل من الفيدرالي.

الأنشطة التي قد تتأثر:

- بعض التقارير الاقتصادية الرسمية مثل بيانات النمو أو التضخم و تقرير الوظائف قد تتأخر لأنها تصدر عن مكاتب حكومية متوقفة جزئيا مثل مكتب الإحصاءات العمالية الذي يتوقف عن العمل.

- الرقابة غير الأساسية في الهيئات المالية قد تشهد بطئا أو توقفا مؤقتا.

و باختصار، كل ما يمس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر و أمني يستمر بالعمل، بينما الأنشطة الثقافية و الإدارية و البرامج غير العاجلة تتوقف مؤقتا حتى انتهاء أزمة التمويل.

4- عدم دفع رواتب الموظفين:

في رسالة صادرة عن مدير مكتب الموازنة في الكونغرس قبل الإغلاق الحكومي، قدر المكتب أن نحو 750 ألف موظف فيدرالي قد يتم إيقافهم يومياعن العمل مؤقتا، بتكلفة يومية إجمالية تقارب 400 مليون دولار.

الموظفون الاساسيون لا يتوقفون عن العمل لكن الجميع قد يتوقف عن تلقي الرواتب مؤقتا، على أن تدفع لاحقا بعد انتهاء الإغلاق.

5- تأثير الاغلاق الحكومي على الاقتصاد:

الإغلاق قد يكلف الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات يوميا، توقف المشاريع الحكومية يعرقل الاستثمارات كما تتأثر ثقة الأسواق المالية، الخبراء يحذرون من أن استمرار الإغلاق لفترة طويلة سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي و ارتفاع معدلات البطالة.

في الختام، الإغلاق الحكومي الأمريكي الحالي ليس مجرد خلاف داخلي، بل أزمة تعكس التوترات العميقة في المشهد السياسي الأمريكي، و مع تصاعد التحديات الاقتصادية يترقب العالم كيف ستتمكن واشنطن من الخروج من هذه الأزمة المتكررة، التي تكلف اقتصادها و مواطنيها ثمنا باهظا كل مرة.


تعليقات